الأحدث من المدن

المدن
منذ 3 ساعات
- علوم
- المدن
لافيت: كواكب ونجوم تدور في فُلك العربية
تشيع في فرنسية المعيش اليومي مفرداتٌ من أصل عربي مثل 'قهوة'، 'سكر' و'أرز'. قد يدرك بعض الفرنسيين أنها مُقترضة من الضاد. لكن مَن يوغل منهم في النصوص العلمية المُحرّرة في قرون الازدهار العقلي للحضارة العربية يندهش من الكم الهائل لمصطلحات العلوم الصحيحة كالرياضيات والكيمياء وعلم الفلك الموروثة عن لغتنا، وهو ما أدّى بعالم المعجميّة الفرنسي رولان لافيت إلى تخصيص كتاب عنْونه: "تسمية النجوم: خمسمئة اسم موروثة عن العرب"، (صادر عن دار أوريون دي مو، ليون-فرنسا) يحلل فيه أسماء الكواكب والنجوم والمجرات في اللسان الفرنسي مثبتا انحدارها من أصول عربية وقد وصل تعدادها إلى خمسمئة اسم؛ مما يعني أن الظاهرة ليست عرضية ولا نادرة، بل ثابتة تشكّل رافدا فعليّا من روافد الفرنسية وتذكّر بما كان لحضارة العرب من أسبقية في علوم الفلك والرياضيات وخرائط السماء والأرض. في القسم الأول من هذا الكتاب، أثبت لافيت أن ثلثيْ أسماء الكواكب في لوائح النجوم الراهنة المعتمدة لدى "الاتحاد العالمي لعلماء الفلك" متأتيان من الثقافة العربية، رغم أن الدلالات الرمزية المقترنة بهذه الأسماء تظل مجهولة، سواء تلك التي جاءت مباشرة من العصر الجاهلي أو التي توارثها العرب عن الإغريق بعد ترجمة العلوم في 'بيت الحكمة' ببغداد. فقد تعرّف العرب في القرن الثامن للميلاد (الثالث للهجرة) على علم الفلك الإغريقي مترجما ولاسيما كتاب "المَجسطي" لبطليموس (100-180) والذي قسّم فضاء الأفلاك إلى ثمان وأربعين مجرّة. وقد طعّم العرب بهذا الإرث اليوناني ما كان شائعا لديهم من منازل القمر التي تتضمّن ثمانيَ وخمسين لوحة امتزجت من خلالها سماء العرب بروافد استقوها من أسلافهم وجيرانهم السّريان والكنعانيين والفرس وغيرهم من الأمم السابقة الذين كانوا يتواصلون معهم عبر رحلات الشتاء والصيف، فخلدت أشعارُهم وأساطيرهم تلك الأسماء وما يصاحبها من تصور لامتداد الكون الرحيب. أما القسم الثاني فمعجم ألفبائي يستقصي أسماء الكواكب في سماء العرب والإغريق ويستعرض السبل التي اتخذتها معرفة تلك الكواكب وخصائصها وكيف انتقلت من ثقافة إلى ثقافة لتستقر اليوم ضمن التسمية العالمية التي تواضع عليها علماء الفلك المعاصرون وارتضوها علامات يطلقونها على الكون المترامي. ففي كل مدخل من المداخل المعجمية التي تألف منها هذا القسم، يذكر المؤلف التغييرات الصوتية والصرفية التي طرأت على هذه المفردات حتى تتكيف مع الأنظمة اللغوية الإغريقية ثم اللاتينية ومنها الفرنسية والإنجليزية الحديثة المعتمدة لدى الاتحاد العالمي لعلماء الفلك، مثل كلمات Muphrid و Asellus وليسا سوى نقل لـ"مُفرد" و"سلاح". وفي القائمة مئات الأسماء التي تراكمت عبر تاريخ طويل من التواصل المعرفي بين حلقات ثلاث من علم الفلك: العرب والاغريق والمخابر المعاصرة، وأعلاها وكالة النازا. ويمتد القسم الثالث لأكثر من مئة صفحة، فمجموعة ملاحق تتعلق بأسماء الكواكب العربية والأسطرلاب والأعلام المذكورين وأوصاف النجوم فضلًا عن اللوحات والمفاهيم الفلكية وبيبليوغرافية طويلة، يقرأ منها مَن شاء التوسع في هذا الحقل. وقد رصّع لافيت كتابه هذا بصور رسمها بيده توضيحًا لمنازل القمر كما تخيلها العرب، وهي ترمز إلى حدود كائنات حيّة، كالأسود والنسور والغزلان والإبل وغيرها، تتشكّل بخيوط وهميّة ينسجها الخيال، فإذا بها متّصلة بفضل هذه الحدود لتشكّل هيكل حيوان يربط بين نجوم تنتمي إلى نفس المجرة. ولذلك تمثّل هذه الرسوم جزءًا لا يتجزّأ من نظريّة السماء والأفلاك السابحة. هكذا، كان العرب همزة الوصل بين التراث الإغريقي وبعض مكاسب العلم الحديث مرورا بالحقبة البغدادية ثم الأندلسية الزاهرة حين كان علماء الفلك عندنا يلقون دروسا بفصيح العربية على طلبة العلم المسيحيين واليهود، فينقلها هؤلاء الطلبة إلى لسانهم اللاتيني قبل أن يُترجم تلاميذهم تلك المعارف إلى اللغات الأوروبية المعاصرة. وقد أجاد لافيت، مثل أستاذه المستعرب الألماني بول كونيتش (1930-2020)، في إظهار طرق نقل هذه الأسماء خلال العصر الوسيط ثم عصر النهضة الأوروبية وصولا إلى صياغة الكاتالوغات المعاصرة، وهي طرق ودوافع تغيّرت بحسب سياقات السيطرة العلمية والسياسية، ولكن أبنية العربية وعيونها المجازية هي التي أمدت هذه المعارف وأثرت في بناء تسميات عناصرها. لذلك، تشكل ترجمة هذا الكتاب إلى العربية المعاصرة تحدياً وفرصة ثمينة، لأنها تفترض الإلمام الواسع بعلوم الفلك في صيغها العربية واليونانية التقليدية ثم في شكلها المعاصر بعد أن تطورت وسائل الاستكشاف ومجاهر النجوم وآخرها تلسكوب "جيمس ويب" الذي تمثل صورُه المدهشة قطيعة كبيرة، مما يضع لغتنا ذاتها موضع تحدّ: كيف نقلع عن الطرق البدائية في تسمية الكون لنتابع النسق السريع في اكتشاف مداراته الممتدة إلى مليارات السنوات الضوئية. كما تتيح ترجمة هذا الأثر فرصة الاطلاع على هذا الحقل المشترك: علم الفلك بما هو ملك الإنسانية جمعاء وإدراك مدى إسهام العرب، الذي طالما غمطه الاستشراق، في نقل المعارف طيلة العصور الوسطى، حتى كان هؤلاء العرب صلة الوصل بين الثقافات القديمة وبين الحداثة الأوروبية، وهو دور طالما أنْكِر. وليس مفهوماً لماذا أهمل رولان لافيت الإشارة إلى الأصول الإسلامية ليس فقط لهذه التسميات، وإنما للعلوم الفلكية بأسرها، التي عُدّت كما قال ابن رشد سبباً في معرفة الصانع في قوله: "إن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم". وكأننا نلمس رواسب منهجية، من الاستشراق التقليدي، تسعى إلى الفصل التام بين الثقافة العربية في تعبيراتها العلمية الدنيوية وبين جذورها الدينية ودوافعها المقدسة، كأن هذا النشاط العلمي مجرد استقصاء عقلي محض، وهو ما سعى الاستشراق إلى ترويجه ناسيا، مثلا، أن تسمية "منازل القمر" قرآنية محضة. ومع ذلك، يظل هذا الكتاب مثالاً قيماً عن العمل المعجمي الملتحم بالتاريخ الثقافي والسياسي ومنهجيات نقل العلوم وتطوراتها وتحولات نماذجها المعرفية التي سبق لتوما كون أن حلّلها في كتاب "الثورات المعرفية"، حيث تابع لافيت انتقال المفردات بحسب تحول النماذج في رسم جغرافيا السماء ووصف خرائطها ضمن هذا الحقل الإنساني الذي تمتزج فيه الأساطير والأوهام والتمثلات التي أسقطها العقل العربي في صحاريه النائية، وفيها صاغ تصوراته عن الكون، ببراءة وذكاء، كأنما تطلعهم إلى السماء ورنوهم إلى نجومها يعوّضهم عمّا يجدونه من قلق على الأرض، أرض تستباح اليوم خرائطُها الألفية بعد أن تخلفوا عما حدث في القرن العشرين من الوصول للفضاء عبر الصواريخ. ألا يكفي أنهم وصلوا عبر المعارف والتسميات؟

المدن
منذ 3 ساعات
- سياسة
- المدن
شهيدة باستهداف شقةٍ في النبطية... وحزام ناريّ بعشرين غارة
زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي أنّ الغارات الّتي شنّها الجيش الإسرائيليّ صباح اليوم في جنوب لبنان استهدفت مواقع لحزب الله تستخدم في إدارة النيران والحماية. وأكّد أنّ الجيش لم يستهدف أيّ مبنى مدنيّ، زاعمًا أنّ المبنى الذي تعرّض للأضرار أصيب بقذيفةٍ صاروخيّةٍ كانت مخزّنةً داخل موقعٍ لحزب الله، فانطلقت وانفجرت نتيجة الغارة. واعتبر المتحدث أنّ الحكومة اللبنانيّة تتحمّل مسؤوليّة ما يجري داخل أراضيها بسبب عدم مصادرة أسلحة حزب الله الثقيلة وقذائفه الصاروخيّة، مؤكّدًا أنّ "الجيش الإسرائيليّ سيواصل العمل لإزالة أيّ تهديدٍ على إسرائيل". وكان الطيران الحربيّ الإسرائيليّ، في تصعيدٍ خطيرٍ، قد استهدف منزلًا على طريق عامّ النبطية باتجاه النبطية الفوقا في محيط دار المعلّمين. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحّة العامة التابع لوزارة الصحّة العامة بيانٌ أعلن أنّ "غارة العدوّ الإسرائيليّ على شقّةٍ في النبطية أدّت، وفق حصيلةٍ أوليّة، إلى استشهاد مواطنةٍ وإصابة ثلاثة عشر مواطنًا بجروح". حزامٌ ناريّ ونفّذ الطيران الحربيّ الإسرائيليّ عدوانًا جويًّا واسعًا وعنيفًا على التلال المحيطة بمدينة النبطية، وهو ثاني أكبر عدوانٍ على المنطقة بعد حرب تموز، وذلك إثر عدوانٍ مماثلٍ تعرّضت له المنطقة أيضًا مطلع أيّار المنصرم. وفي التفاصيل، استهدفت الغارات، في حزامٍ ناريّ، أكثر من عشرين غارةً حرش عليّ الطاهر الدمشقية، والجرمق المحمودية، والدبشة، ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا، في ظلّ تحليقٍ للطيران الحربيّ فوق النبطية وإقليم التفاح. وبحسب بيانٍ صادرٍ عن وزارة الصحّة، فإنّه "في حصيلةٍ غير نهائيّة لسلسلة الغارات التي شنّها العدوّ الإسرائيليّ في وقتٍ سابقٍ على جنوب لبنان، أصيب سبعة مواطنين بجروحٍ طفيفةٍ عولجوا في أقسام الطوارئ". وسمعت أصوات الانفجارات في أرجاء الجنوب نتيجة الصواريخ الارتجاجيّة التي أحدث انفجارها دويًّا هائلًا، فيما أدّت الغارات إلى اشتعال بعض الأحراش التي تمّ استهدافها. كما أفيد عن تحطّم زجاج عشرات المنازل في بلدات كفرتبنيت والنبطية الفوقا ودوحة كفررمان، وتسبّبت الغارات في إقفال طريق النبطية–الخردلي بفعل الأحجار والرّدم الذي تطاير عليها جرّاء عصف الغارات القريبة منها. مزاعمٌ إسرائيليّة وفي هذا السّياق، زعم أدرعي أنّ "طائرات جيش الدفاع الحربيّة هاجمت قبل قليل موقعًا كان يستخدم لإدارة أنظمة النيران والحماية لحزب الله في منطقة جبل شقيف بجنوب لبنان". وأشار إلى أنّ هذا الموقع "يعدّ جزءًا من مشروعٍ تحت الأرض أخرج من الخدمة نتيجة غارات جيش الدفاع في المنطقة، وقد رصدت محاولاتٌ لإعادة إعماره، ولذا هوجمت البنى التحتيّة الإرهابيّة هناك". وكانت إذاعة الجيش الإسرائيليّ قد أفادت بأنّ "غاراتٍ واسعةً تستهدف مجدّدًا بنى تحتيّة تحت أرضيّةٍ في جنوب لبنان بعد رصد محاولاتٍ لترميمها". خروقاتٌ إسرائيليّة وعلى صعيدٍ متّصل، أفيد بأنّ شخصًا تلقّى اتصالًا يدعوه إلى إخلاء منزله في بلدة صير الغربيّة بجنوب لبنان. وفيما لم يتمّ التحقّق من صحّة التحذير، أخلي حيٌّ كاملٌ في البلدة في إجراء احترازيّ. كذلك ألقت مسيّرةٌ معاديةٌ قنبلةً صوتيّةً بجانب آليّتي "بيك آب" في بلدة راميا أثناء قيامهما بتحميل خردة حديد، من دون تسجيل إصابات. كما وأفادت تقارير ميدانيّة، عصر اليوم الجمعة، بأن "قوات الجيش الإسرائيليّ هدّدت بتفجير 3 منازل في الحيّ الجنوبيّ لمدينة الخيام كانت قد توغّلت باتجاهها في وقتٍ سابق وفخّختها وقد أبلغت قوّات "اليونيفيل" الدوليّة بذلك والجيش اللّبنانيّ يقطع الطرقات المؤدية إلى المنطقة". إحباط تهريب أسلحةٍ من سوريا إلى لبنان في سياقٍ منفصل، صدر عن قيادة الجيش بيانٌ أشار إلى أنّ إحدى دوريّات مديرية المخابرات أحبطت عملية تهريب قذائف ومذنّباتٍ من الأراضي السوريّة إلى الأراضي اللبنانيّة في منطقة بسيبس–الهرمل، وضبطت كميةً منها. وبحسب البيان، "سلّمت المضبوطات، ويجري العمل لتوقيف المتورطين".

المدن
منذ 3 ساعات
- سياسة
- المدن
ورقة توم براك خريطة طريق... لكن إلى أين؟
في خضم الحراك الدبلوماسي المكثف على الساحة اللبنانية، برزت الورقة التي قدّمها الموفد الأميركي توم براك إلى المسؤولين اللبنانيين بوصفها خريطة طريق شاملة تتقاطع عند عدد من الملفات الأساسية، وتجمع بين الأمن والسيادة والإصلاحات والعلاقات الإقليمية. هذه الورقة ليست غريبة عن مضمون ما نقله براك شفهياً إلى رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة، إذ تشكل إمتداداً لرؤية أميركية متكاملة تسعى إلى مقاربة الملف اللبناني بأبعاده الداخلية والخارجية، عبر آلية «الخطوة مقابل خطوة." بنود وردود في إجتماعاته مع كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، سلّم براك المسؤولين اللبنانيين هذه الورقة رسمياً، والتي جرى درسها بتأنٍّ من قبل فريق مشترك يمثل الجهات الثلاث. وقد تمّت صياغة أجوبة لبنانية رسمية على عدد من بنودها، فيما وُضعت ملاحظات على نقاط أخرى تحتاج إلى مزيد من التعمق والتمحيص. وبحسب المعطيات، فإن براك، عند عودته المرتقبة إلى لبنان، سيتسلّم هذه الردود لمناقشتها مع الجهات الأميركية المعنية قبل الانتقال إلى مراحل تنفيذية محتملة. خطوة مقابل خطوة تنقسم الورقة إلى عدة محاور أساسية، أولها الأمن، وتحديداً مسألة السلاح في الجنوب، لاسيما جنوب نهر الليطاني، وكذلك في الشمال منه، والاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب البند الاقتصادي الذي يتصل بالمساعدات الدولية المنتظرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالاضافة إلى ملف العلاقة مع سوريا. أحد أبرز البنود المطروحة، ويعدّ بمثابة العنوان المركزي، هو آلية "خطوة مقابل خطوة". وفق هذا المبدأ، يُفترض أن يقدم كل من لبنان وإسرائيل على إجراءات متقابلة، بحيث تنسحب إسرائيل مثلاً من نقطة تحتلها، على أن يقابل ذلك إجراء لبناني كنزع سلاح حزب الله من موقع ما شمال الليطاني. إلا أن جوهر الخلاف لا يزال يتمحور حول من يبدأ أولاً: إسرائيل تطالب أن يكون لبنان مبادرا، فيما يصرّ لبنان على أن الانسحاب الإسرائيلي أو إطلاق الأسرى يجب أن يشكل الخطوة الافتتاحية. مصادر مطلعة على مضمون الورقة أوضحت لـ"المدن" أن كل ما يُشاع عن جداول زمنية محددة هو غير دقيق، لكن الأكيد أن معادلة "خطوة مقابل خطوة" ستسير على مراحل، وفق شروط نضوج كل مرحلة، وقد تمتد على فترة طويلة نسبياً. وعندما يتم التوصل إلى إتفاق نهائي، يُصار إلى وضع خطة زمنية لتنفيذ كل بند. على سبيل المثال: إذا تقرر أن الخطوة الأولى هي إنسحاب إسرائيل من إحدى التلال، يُحدّد موعد لذلك، ويقابله موعد موازٍ لسحب سلاح حزب الله من أحد المواقع شمال الليطاني. ويواكب "الخطوة مقابل خطوة" إنتشار للجيش اللبناني في كل منطقة تنسحب منها إسرائيل، على غرار ما حصل سابقاً عند بدء سريان إتفاق وقف إطلاق النار. وتشير المعلومات إلى أن الجيش، في سياق دوره، يتعامل مع ما يتوفر له من معطيات أمنية. إذ لا يتلقى معلومات مباشرة من حزب الله بشأن مواقعه أو مخازنه، بل يعتمد الجيش على جهوده الاستخباراتية. وعند اكتشاف أي مخزن للسلاح، يصادر الجيش ما يحتاج إليه، ويتلف ما لا حاجة له به، في سياق ممارسة سلطته الأمنية. تعهد براك، بفتح ملف التمديد لمهمة قوات الطوارىء الدولية في الجنوب - اليونيفيل، وتمسك لبنان بالحفاظ على وجودها، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصا وأن إلادارة الاميركية تتحفظ على التمديد لليونيفيل، لاسيما على الاستمرار بمساهمتها في حصتها من التمويل لها في الامم المتحدة. ومن المرتقب أن تتبع الولايات المتحدة سياسة دعم مشروطة بالإصلاحات، وتقدم المساعدة تبعاً لحجم التقدم المنجز من قبل الدولة اللبنانية، وخصوصاً على الصعيد الأمني في ما يتعلق بتنفيذ الـ1701 على كامل الاراضي اللبنانية، وبالتوازي على صعيد إنجاز الاصلاحات التي تصر عليها المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين. الإصلاحات مقابل الاستثمارات في ما خص الإصلاحات، أبلغ براك الرؤساء أن لبنان أحرز بعض التقدم، لكنه غير كافٍ. الضغوط تتزايد لتسريع الخطوات الإصلاحية من دون أعذار أو مماطلة. الرهان بات على أن يُنجز لبنان المطلوب قبيل الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل، ما يشكل اختباراً جديداً للسلطة الحالية. كما أن الفرصة الدولية المهمة التي تلوح في الأفق هي المؤتمر الذي يحضّر له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخريف المقبل لدعم لبنان. وفي هذا السياق، بات الوقت داهماً وعلى الحكومة اللبنانية الإسراع في بلورة ملف إصلاحي متكامل وجاهز يُعرض أمام المشاركين. في المقابل، طمأن براك اللبنانيين بأن الولايات المتحدة لن تغيب عن الاستثمار في لبنان، وخصوصاً في ملف النفط والغاز، الذي سيُعاد تحريكه ضمن أجندة أميركية واضحة، طبعا في حال أنجز لبنان ما هو مطلوب منه. العلاقة مع سوريا على مستوى العلاقة بين لبنان وسوريا، وباعتبار أن براك هو الموفد الأميركي إلى دمشق أيضاً، فقد أبلغ بوضوح أن بلاده لا تعارض التعاون بين البلدين، خصوصاً في ملف النازحين السوريين. لكن بحسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"المدن" فثمة تباين في المقاربة: واشنطن تتحدث عن "العودة الآمنة والطوعية"، فيما يصرّ لبنان على "العودة الآمنة"، ما يستدعي معالجة دقيقة لهذا الامر، ويبقي الملف مفتوحا على النقاش، لاسيما أن لبنان لا يرى أي مبرر لاستمرار بقاء النازحين في لبنان وعدم تشجيع الحكم الجديد في سوريا لعودتهم. أما الملف الأكثر حساسية، فهو ضبط الحدود اللبنانية – السورية، وهو أولوية لبنانية يتبناها رئيس الجمهورية، إنطلاقاً من ضرورة إنهاء فوضى التهريب والنزوح واحترام السيادة اللبنانية. وفي هذا المجال، أُرفقت الورقة بملاحظات لبنانية تستند إلى مواقف رئاسية طالما شددت على هذه العناوين. عودة براك معلقة؟ على الرغم من أن طوم براك أعطى لنفسه مهلة ثلاثة أسابيع للعودة إلى لبنان منذ زيارته الأولى، إلا أن الحرب التي اندلعت بين إيران وإسرائيل واستمرت إثني عشر يوماً، أرخت بثقلها على أجندة المنطقة، فأرجأت كل المواعيد الدبلوماسية، وبينها زيارة براك الثانية، التي باتت معلقة حتى إشعار آخر، أو أقله غير محددة. في الخلاصة، يمكن القول إن واشنطن تخوض إختباراً في لبنان لتطبيق آلية تدريجية تشمل إنهاء سلاح حزب الله والمجموعات المسلحة الاخرى، وتنفيذ الإصلاحات، وضبط الحدود، وتعزيز السيادة، ضمن مقايضة سياسية شاملة. غير أن هشاشة التوازنات الداخلية، وضبابية المشهد الاقليمي لاسيما بعد حرب إيران وإسرائيل ودخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، كل هذه العوامل وحساباتها تجعل الواقع اللبناني مفتوحا على إحتمالات متعددة، خصوصا إذا لم تلتزم الدولة اللبنانية بما عليها من موجبات مطلوبة منها أميركيا ودوليا وعربيا وفي أسرع مهل ممكنة.

المدن
منذ 3 ساعات
- سياسة
- المدن
ترامب يحدد مهلة لوقف حرب غزة.. ما سرّ الأسبوعين؟!
أثار ما نشرته وسائل إعلام عبرية، عن ضغوط متزايدة يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لوقف الحرب على غزة خلال أسبوعين، علامات استفهام بشأن جدية وجدوى ما يجري وراء الكواليس، وأيضاً السبب وراء تحديد أسبوعين لوقف الحرب! واللافت أن صحيفة "إسرائيل اليوم" كانت ضمن وسائل الإعلام التي كشفت الضغوط، واستندت الصحيفة المقربة من نتنياهو إلى مصدرين سياسيين أكدا لها وجود ضغوط كبيرة من ترامب على نتنياهو لإنهاء العمليات العسكرية في غزة، قائلة إنها بدأت قبل حرب إيران، ثم استُؤنفت فور انتهائها بموجب "خطة طموحة" لترامب؛ لتحقيق سلام وتطبيع شامل في المنطقة. لكن الصحيفة نوهت أيضاً بأن مصدراً ثالثاً أشار إلى عدم علمه بوجود مثل هذه الضغوط. أسباب تفاوضية وعسكرية.. وشخصية! يقول مصدر سياسي مقيم في الولايات المتحدة، لـ"المدن"، إن مقاصد ترامب بخصوص تحديد مدة أسبوعين، هو العمل على وقف الحرب، سواء خلالهما أو أقل أو أكثر، أي طبقاً لما تستغرقه جهود المفاوضات لإنهاء الحرب، إما باتفاق شامل أو جزئي وتمهيدي. بينما يرتبط السبب الثاني بأمور عسكرية ولوجستية، كي تستنفد إسرائيل خلالهما ما تبقى من بنك أهداف "نوعي" وتثبيت وقائع بالقطاع. ويكمن السبب الثالث بمحاولة ترامب تقديم خدمة لنتنياهو، عبر مساعدته على عقد صفقة تنجيه من ملاحقته القضائية على خلفية تهم فساد، وسط اعتقاد بأن نتنياهو يواصل الحرب للتهرب من المحاكمة. ولا يُخفي المصدر أن النشر عن غاية ترامب الآن، هو رغبته بحديث الإعلام عن مساعيه للسلام ووقف الحروب؛ لتلبية طموحه بنيل جائز نوبل للسلام. ووفق المصدر، فإن هناك سيناريوهان يعمل عليهما ترامب، الأول اتفاق نهائي للحرب على غزة.. مقابل قبول "حماس" بنزع سلاحها وإبعاد عناصر وقيادات لها من القطاع، إضافة إلى الخروج النهائي من اليوم التالي لغزة. وأما السيناريو الثاني، فهو تخفيض مستوى الحرب إلى أدنى مستوياتها، وتحويلها إلى مجرد عمليات محددة، وبلا قتل جماعي، وبما يشمل إدخال مساعدات للسكان. المهلة منسقة.. مع إسرائيل؟ ولم يستبعد الباحث بالشؤون الإسرائيلية أنطون شلحت، أن تكون مهلة الأسبوعين قد نُسقت بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي، خصوصاً أنه كُشف النقاب عن محادثات يومية بين واشنطن وتل أبيب، بخصوص كل المستجدات المتعلقة بحرب إسرائيل على غزة ومختلف الجبهات. ورأى شلحت في حديثه لـ"المدن"، أن المهلة حُددت لمنح تل أبيب فرصة لتحقيق ذروة التدمير، وفرض وقائع على الأرض تتحكم بمستقبل غزة بعد إنهاء الحرب، بما يشمل حجم المناطق العازلة التي ستقسم القطاع. وتابع: "إسرائيل لا تخفي أنها ستقلص مناطق القطاع الممكن العيش فيها، وستحاول تقطيع أوصاله وتهجير ما أمكن من سكانه، ودون إخلاء المحاور التي تحتلها". نتنياهو متحكم بالتسريبات وفي السياق، أكد محلل الشؤون السياسية في التلفزيون العبري "مكان" شمعون آران، أنه منذ تغيير نتنياهو لمكونات طاقم التفاوض الإسرائيلي، وتعيينه وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، رئيساً له، فإن التسريبات عما يجري في الكواليس، هي معدومة، ما يصعب الحصول على معلومات دقيقة بخصوص ما يدور في عقل نتنياهو وترامب، وربما يمنح الطرفين قدرة أكبر على تمرير أنباء غير دقيقة بالضرورة للإعلام؛ لدوافع محددة. في حين، قالت هيئة البث العبرية إن ما يكمن وراء حماسة ترامب وجهات إسرائيلية لعقد اتفاق بإنهاء حرب غزة، هو اعتقادهم أن الحرب الأخيرة على إيران، واغتيال شخصيات إيرانية مسؤولة عن دعم "حماس" على مدار عقود طويلة، سيشعر الحركة بمزيد من "الوحدة"، وأن تل أبيب ستركز الخناق عليها أكثر، إذا لم تقبل بشروط وقف الحرب. وكشفت الهيئة عن جهود مكثفة تقوم بها قطر ودول إقليمية في هذه الأثناء، لإقناع ترامب بالضغط الكبير على نتنياهو لوقف حرب غزة نهائياً بعد "نجاحه" بوقف حرب إيران. حماس والأسبوعان؟ واللافت أيضاً أن مصدراً من "حماس"، توقع لـ"المدن" أن أي نجاح لجهود وقف إطلاق النار، لن يكون قبل أسبوعين، كاشفاً عن حراك سرّي، لكنه لم ينتج عنه شيء ناضج حتى الآن، أي لم يتوفر ما يعزز التفاؤل الذي يبديه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حول إمكانية الاتفاق قريباً. لكن المصدر الحمساوي تحدث عن فرص أكبر للاتفاق الجزئي، وليس الشامل بالضرورة، أي اتفاق لستين يوماً يتضمن إطلاق 10 محتجزين، وبنفس البروتوكول الإنساني المعمول به في اتفاق الهدنة السابق، مشيراً إلى صعوبة التنبؤ بالوقت الدقيق لنضوج الاتفاق. مشروع ترامب.. "غير واقعي"! بدوره، أكد مسؤول بالسلطة الفلسطينية ل"المدن"، أن ما نُشر إعلامياً عن وقف حرب غزة خلال أسبوعين، ضمن مشروع أميركي شامل للسلام بالمنطقة، قد بُحثت بعض أفكاره مسبقاً، مستبعداً إمكانية تطبيقه؛ بسبب رفض مصر والأردن إرسال قوات إلى القطاع والتورط في إدارته، وفق قوله. وتابع المسؤول الفلسطيني أن ما نُشر يتحدث وكأن "حماس" وافقت على إبعاد قادتها من القطاع، وأن دولاً عربية ستستقبلهم، وهو أمر لم يحصل، واصفاً ما نُشر بـ"أفكار تفتقر للواقعية والجدية والموضوعية". ورأى المسؤول بالسلطة أن ما يجري هو أن ترامب يريد مخرجاً لنتنياهو من أزمته، والتي أساسها الخروج من غزة وعدم ملاحقته قضائياًص، بينما تقتضي أي صفقة لحمايته من المحاكمة، ابتعاده عن المشهد السياسي، عدا أن ائتلافه الحكومي هو "ائتلاف للحرب والاستيطان.. وليس السلام". وتساءل القيادي الفلسطيني عن سبب تحديد ترامب أسبوعين لوقف الحرب، بينما تقبل "حماس" بثلاثة أرباع مقترح الاتفاق!

المدن
منذ 3 ساعات
- سياسة
- المدن
27 عامًا على مكب الكفور "المؤقت" وسحابة الجنوب السّوداء
منذ حوِّلت قطعة الأرض العامّة في وادي الكفور عام 1998 إلى مكبٍّ يستقبل نفايات أربعٍ وثلاثين بلدة دفعةً واحدة، اكتسبت البلدة الجنوبيّة سمعةً سيئة بوصفها بؤرةً متعدّدة المصادر للتلوّث. جاء القرار يومها شرارةً أولى أرخت بظلِّها الثقيل على الوادي كلّه: فقد أنشئ المكبّ بلا بنيةٍ تحتيّة للمعالجة أو للطمر الصحّي، ومع مرور السنين تمدّدت مزاريب النفايات العشوائيّة، فتحوّل الحيّز الأخضر إلى تلالٍ من الفضلات. هذه الصورة فتحت الباب لاحقًا لسلسلةٍ لا تنتهي من الاحتجاجات وقرارات الإقفال وإعادة التشغيل، يرافقها سيلٌ من الوعود الرسميّة بـ"حلولٍ جذريّة" لم ينفّذ منها شيء. واليوم تعود الأزمة إلى الواجهة عبر تعليقات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ تتحدّث عن التلوّث الذي يسبِّبه المعمل للبيئة وللسكّان. أزمة متناسلة خلال العقد الأوّل بعد 1998 تدهور المشهد البيئيّ بصمتٍ نسبيّ، قبل أنّ ينتفض الأهالي لأوّل مرّة في 11 نيسان 2011. فقد شهدت بلدة الشرقيّة المجاورة اعتصامًا حاشدًا تحت شعار "الشعب يريد إسقاط المكبّ"، دشّن مرحلةً من الانتفاضات الشعبيّة الّتي كانت تتكرّر كلّما تفاقمت الروائح أو تصاعد الدخان. وبعد أقلّ من عام، في 21 آب 2012، برز تحرّكٌ داخل الكفور نفسها اتّهم البلدية بالتعاقد مع شركة ترمي النفايات فوق أراضٍ زراعيّة، ما كرّس شعورًا بأنّ الإدارات المحليّة باتت جزءًا من المشكلة لا من الحلّ. وفي 5 نيسان 2014 أعلن رسميًّا عن إنشاء "معمل النفايات للشقيف" في الكفور بغرض التسبيخ والفرز بدل الحرق، مع وعودٍ بتشجير محيطه "على الطريقة الأوروبيّة". غير أنّ المشروع ولد منقوصًا إذ أقيم بلا مطمرٍ نهائيّ للعوادم، فكان أشبه بترحيل للأزمة من مرحلةٍ إلى أخرى. وبين عامي 2015 و2018 تعمّقت الأزمة بدل أنّ تنحسر. ففي 27 تشرين الثاني ثمّ في 21 من حزيران العامّ 2016، وافقت وزارة البيئة على دراسة الأثر البيئيّ لأوّل معملٍ لإحراق الإطارات تابع لآل تاج الدين، تلتها رخصةٌ من وزارة الصناعة، فشرعِنت منشأةٌ كانت قد افتتحت فعليًّا في العام 2013 وأقفلت ثمّ عادت إلى العمل عام 2019. هكذا دخل حرق الإطارات المشهد، مضافًا إلى جبلٍ متراكم من النفايات المنزليّة غير المفروزة. وفي 3 تموز 2018 كشفت تحقيقاتٌ صحافيّة ازدهار ما وصف بـ"تجارة النفايات" داخل المعمل تحت غطاء اتحاد بلديات الشقيف، من دون أيّ فرزٍ حقيقيّ؛ إذ كانت القمامة تباع وتشترى كما لو كانت سلعةً عادية، لا مكوّنًا سامًّا يهدّد التربة والمياه والهواء. الانفجار الكبير مع حلول 2019 انفجرت الأزمة على نحوٍ أشدّ حدّة. ففي 4 تشرين الأوّل أعيد فتح معمل الكفور استثنائيًّا بعد تكدّس النفايات في النبطية، رغم استمرار غياب مطمرٍ للعوادم. وفي 17 حزيران 2020 منع ناشطون من دخول المعمل أثناء محاولتهم توثيق مخالفاته، وسط اتهاماتٍ بالهيمنة السياسيّة وتراشقٍ للمسؤوليّات بين الوزارات والبلديات. ابتداءً من آب 2022 ظهر وجهٌ أشدّ قتامةً للأزمة: ثلاثة معامل لحرق الإطارات – الخنسا، وتاج الدين، وطهماز – بدأت تعمل بلا فلاتر، فتنفث كربونًا أسود سامًّا حتّى سمّى الأهالي الوادي "وادي الموت". وفي 24 آب 2023 كدّس معمل طهماز الإطارات وأحرقها ليلًا، مطلِقًا "السحابة السوداء" التي غطّت البلدة بطبقةٍ خانقة من الكربون، وثبّتت الصور والفيديوهات اللحظة على وسائل التواصل. ليعود ويتمّ إقفال المعامل الثلاثة بالشمع الأحمر، في شهر أيلول، لعدم مطابقتها المواصفات البيئيّة، لكنّ الإقفال كان شكليًّا. وعود هشّة في 5 شباط 2024 زار وزير البيئة ناصر ياسين النبطية معلنًا خطّةً لإعادة تشغيل المعمل "بعد صيانته" وإنشاء مطمرٍ صحّي في دير الزهراني، مع نقل وصاية المنشآت إلى وزارته. بدت الوعود جديدةً في صياغتها، قديمةً في سياقها؛ فالأهالي يسمعون مثلها منذ أكثر من عشرين عامًا. وما إن حلّ عام 2025 حتّى تجلّت هشاشتها: ففي 14 أيّار أكّدت بلدية الكفور استمرار طمر نفايات الكفور وتول والنبطية "بشكلٍ دوريّ"، وتقدّمت بشكوى جديدة ضدّ معمل طهماز. وقبل ذلك، في 20 كانون الثاني ، وثّقت دراسةٌ لـ CEOBS الأضرار البيئية الناجمة عن التصعيد العسكريّ بعد أكتوبر 2023، مشيرةً إلى احتمال تلوّث منشآت النفايات ومعامل الإطارات جنوبيّ لبنان، بما في ذلك محيط الكفور، بموادّ سامّة نتجت عن القصف والحرائق. أصوات الأهالي وسط هذه الدوّامة ترتفع أصوات السكان فتقدّم رواياتٍ لا تعكسها البيانات الرسميّة. تقول مريم عبيد، ابنة البلدة، لـ"المدن": "منذ عام 2016 ونحن نعاني مسألة الحرق. في 2023 عالجنا المشكلة المرتبطة بمصنع حرق الإطارات؛ فقد كان يحرق الإطارات يوميًّا وتسبّب في أزمة كبيرة في منطقة تسمّى الكفور. تجاوزنا تلك المشكلة، لكنّنا عدنا إلى قضية حرق النفايات". تشرح عبيد أنّ مجموعاتٍ تحرق الإطارات ليلًا في وادٍ يربط القرى لاستخراج الحديد والأسلاك، ثم تعود نهارًا لجمعها، وأنّ قرًى خالية من المطامر تلقي عبئها على الجار: "ينزلون النفايات ويضعونها في الوادي ثم يفتّتونها ويحرقونها… يبدأون الحرق بعد المغيب، وإذا لم يتمكّنوا عند المغيب يبدأونه ليلًا للتخلّص منها بلا نقلٍ أو طمرٍ نظاميّ". وتلفت إلى أنّ الكميّات ازدادت مع تزايد الكثافة السكانية والاستهلاك، وأنّ الخلافات الانتخابيّة – كما حدث في بلدية دير الزهراني – تستخدم أحيانًا كورقة ضغطٍ تشعل المطامر كلّها. وتختتم: "منذ 2016 إلى اليوم، كلّما حللنا مسألة عدنا إلى أخرى؛ وكلّها مرتبطة بحرق الإطارات والنفايات، ولذلك ارتفعت معدّلات السرطان والحساسيّة على نحوٍ مقلق". أرقام مقلقة ليس التوصيف الميدانيّ وحده ما يرسم مأساة الكفور؛ فالأرقام الخفيّة تزيد الشكوك. فقد سجّلت مستشفيات النبطية – وفق تقديرات جمعيّاتٍ محليّة – ارتفاعًا ملحوظًا في أمراض الربو والتحسّس منذ 2019، تاريخ تشغيل محرّقات الإطارات بمعايير سلامةٍ شبه معدومة. وفي غياب منظومة رصدٍ رسميّة، يعتمد السكان على ما تلتقطه حواسّهم من روائح خانقة، أو ما يلمسونه في أجسادهم من أوجاعٍ وصفير. هكذا تتعاظم تراكميّة التلوّث: فكلّ "حلّ" يقدّم –من فرزٍ أو حرقٍ أو مطمر– يأتي منقوصًا أو بلا رقابة، فيتحوّل سريعًا إلى مصدر تلويثٍ إضافيّ. أمّا التشريعات فموجودةٌ نظريًّا؛ قرارات الإقفال صدرت منذ 2021، لكنّ المعامل ظلّت تعمل بغطاءٍ سياسيّ أو بلديّ، فيما توصيات لجان الأثر البيئيّ تراوح مكانها. المعضلة إذًا ليست في غياب حلولٍ تقنيّة، بل في العجز المستمرّ عن تطبيقها. يرى خبراء محلّيون أنّ المنطقة يمكن أن تستفيد من إنشاء محطة معالجة حراريّة متكاملة مزوّدة بفلترةٍ مطابقة للمواصفات الأوروبيّة، على أن يربط تشغيلها بفرزٍ من المصدر يوفّر سمادًا وموادّ عضويّة تشترى بعقودٍ شفّافة. وبينما تبدو هذه الاقتراحات بديهيّةً في دولٍ أخرى، تبدو في الكفور تحدّيًا سياسيًّا أكثر منه تقنيًّا. على مدى سبعةٍ وعشرين عامًا تحوّل مكبٌّ صغيرٌ على أرضٍ عامّة إلى "سحابةٍ سوداء" تظلِّل سماء الجنوب. التسلسل الزمنيّ الطويل يثبت أنّ الأزمة ولدت بلديّة، وترعرعت وزاريّة، وتضخّمت حين أوكِل أمر البيئة إلى التجاذبات والتحالفات. وما دامت المعايير الصحيّة تقرأ بعيون السياسة المُحايدة والّتي لا تهتم بالأثر البيئيّ، ستظلّ الكفور – ومعها بلدات الجنوب – رهينة معادلةٍ تقايِض الهواء النظيف بمكسبٍ آنيّ، وترهن الصحّة العامّة لمحرقةٍ مستمرّة.